إدارة الاقتصاد بالأمن والغباء العسكري.. وهذه النتائج الكارثية

. . ليست هناك تعليقات:


 مع استمرار الكوارث الاقتصادية والاجتماعية بمصر منذ الانقلاب العسكري على التجربة الديمقراطية الوحيدة بمصر، يتأكد للمتابع أن العسكر لا يصلحون إلا لإدارة الكتيبة والمعسكر، ولا شأن لهم بإدارة المجتمعات المدنية بتفاصيلها السياسية والاقتصادية، وأن غرور القوة العسكرية والنظرة المتعالية والتوحش الذي يتسمون به ، هو أساس خراب مصر وانهيارها.

وأكدت أزمة ارتفاع أسعار كل شيء بمصر وانهيار الجنيه المصري بنسبة تتجاوز30 % مجددا أن الانهيار إفراز طبيعي للفشل العسكري وحكم الفرد المستبد والديكتاتور الذي يعمل وفق نظرية "ما أُريكم إلا ما أرى".

ومع فوضى الأسعار التي تضرب مصر وأزمات الخبز والقمح والطاقة والغلاء المعيشي، وبدلا من التدخل الاقتصادي وتعظيم الموارد واستثمار الفرص وترتيب الأولويات في الإنفاق، ينصب اهتمام العسكر على وأد الغضب الشعبي وحماية النظام من الغضب الشعبي، ودون العمل على حماية الوطن والمواطن من الأزمات.

 

الخوف من الغضب الشعبي 

حيث يسارع العسكر في الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية إلى لجم الغضب الشعبي عبر توجيهات وليس قرارات اقتصادية واجتماعية تحل الأزمة.

ووفق تقارير موثوقة، فقد تركزت جهود المخابرات والأجهزة الأمنية على محاولات ضبط الغضب الشعبي للحفاظ على الاستقرار السياسي.

وقالت مصادر مطلعة لصحيفة "العربي الجديد" إن "النظام يستشعر خطرا كبيرا، في ظل عدم قدرة الحكومة على ضبط الأسعار، وتوقعاته بموجة جديدة من الغلاء، تشكل ضغطا إضافيا على المواطنين، قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع في الشارع بشكل لا تمكن السيطرة عليه".

وقد أصدرت الأجهزة الأمنية تعليمات لأعضاء مجلس نواب العسكر بعدم مناقشة أي مسألة تتعلق بسعر رغيف الخبز، بأي صورة من صور الطرح النيابي عن طريق سؤال أو استجواب أو مساءلة نيابية حتى إشعار آخر.

كما جرى كذلك توجيه رسائل مماثلة غير مباشرة، للأعضاء الذين لا يتبعون بصورة مباشرة للأحزاب الموالية لنظام الانقلاب.

وفسرت المصادر عبارة "حتى إشعار آخر" التي تضمنتها التعليمات الصادرة لنواب العسكر بأنها تعكس ما يعانيه النظام من تردد في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية وعدم استقراره على سيناريو واضح، يتضمن خطة عملية قابلة للتنفيذ تسمح بتعامل ذي فعالية مع واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية التي يمر بها نظام  السيسي.

وفي إطار أزمة القمح التي تضرب مصر،  كشفت مصادر بحكومة الانقلاب عن أزمة وصفتها بـ"العاصفة" استدعت سلسلة اجتماعات بين المسؤولين في وزارة التموين بحكومة الانقلاب وقيادات في أجهزة سيادية للبحث عن حلول للتعامل معها.

وقالت المصادر إن "الأزمة في الوقت الراهن تتعلق بمخزون البلاد من القمح والذي لا يغطي أكثر من ثلاثة أشهر على أقصى تقدير، مؤكدة عدم صحة ما يقال حول وجود مخزون يكفي حتى نهاية سبتمبر المقبل".

كما  أن  الاستهلاك الحالي لا يتم تعويضه في ظل صعوبة وصول الكميات المتفق عليها، إضافة إلى إلغاء مناقصة التوريد أخيرا بسبب الأسعار.

وأعلنت مصر أخيرا مجموعة من القرارات المتعلقة بمحصول القمح ومنتجاته ومخزونه الإستراتيجي،  معظمها تنطلق من عقلية أمنية، بدأت بقرار حكومي مطلع مارس الحالي بحظر تصدير 5 سلع هي الفول والعدس والمعكرونة والقمح والدقيق بجميع أنواعه، لمدة ثلاثة أشهر، وذلك في إطار تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، قبل أن تستتبع ذلك بقرار آخر بحظر تصدير الزيوت بكافة أنواعها، والفريك، لمدة ثلاثة أشهر أيضا.

وكشفت  التقارير  أن الأزمة الراهنة بسبب نقص المخزون الإستراتيجي من القمح أدت إلى تأجيل خطوة كان مقررا الإعلان عنها في مايو المقبل، برفع الدعم جزئيا عن الخبز، من خلال آليتين هما؛ زيادة سعره وخفض زنته الرسمية".

وأوضحت المصادر أنه "تم إرجاء القرار، بعد توصية أمنية من جهاز المخابرات العامة، دعمها تقرير من جهاز الأمن الوطني، بشأن حالة الشارع المصري وارتفاع منسوب الغضب لدى المواطنين، بالدرجة التي تنبئ بحدوث اضطرابات، حال تم اتخاذ القرار.

وكشفت المصادر أن "لجنة أمنية مشتركة حددت بالتنسيق مع وزارة تموين الانقلاب موعدا مبدئيا لتطبيق تصور رفع الدعم عن رغيف الخبز، في سبتمبر المقبل، في ظل الضغوط الكبيرة التي تواجهها الحكومة في الوقت الراهن".

ووجه السيسي حكومته بدفع حافز إضافي للمزارعين الموردين للقمح المحلي، في محاولة لتشجيعهم على توريد كل المحصول وعدم تخزين أي كميات منه.

 

إدارة عسكرية للتموين

وضمن الإدارة العسكرية للاقتصاد، أصدر علي المصيلحي، قرارا يقضي بتنظيم تداول القمح المحلي المنتج في موسم حصاد 2022، ويتضمن القرار عقوبات جنائية على المخالفين تصل إلى الحبس لمدة عامين.

وحظر القرار الحكومي نقل القمح الناتج عن موسم حصاد عام 2022 من أي مكان لمكان آخر، إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من جهات التسويق، على أن تلتزم هذه الجهات بالسداد الفوري للمزارعين موردي الكميات بحد أقصى 48 ساعة من تاريخ الاستلام.

كما نص القرار على أنه يُحرم كل من يمتنع عن تسليم الكميات المحددة، من صرف الأسمدة المدعمة له عن موسم الزراعة المقبل، كما يحرم من أي دعم يقدم من البنك الزراعي المصري.

وتضمن القرار كذلك ضرورة أن يُسلّم كل من يملك محصولا من القمح الناتج عن موسم حصاد عام 2022، لجهات التسويق، جزءا من المحصول بواقع 12 إردباعن كل فدان  كحد أدنى، بناء على الحيازة الزراعية المسجلة بوزارة الزراعة والجمعيات الزراعية.

وحصر القرار جهات التسويق في الشركات التابعة لوزارة التموين وهي "الشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين" و"الشركة العامة للصوامع والتخزين" وشركات المطاحن التابعة لـ"الشركة القابضة للصناعات الغذائية" و"البنك الزراعي المصري".

وشدد القرار على أنه في حالة بيع أي كميات من القمح قبل صدور القرار، يجب على المشترين تسليم الكميات المحددة لجهات التسويق بذات الشروط والأوضاع المقررة.

كما شدد القرار على حظر بيع ما تبقى من القمح الناتج عن موسم حصاد عام 2022 لغير جهات التسويق، سواء كان البيع لشخص طبيعي أو اعتباري، إلا بعد الحصول على تصريح من وزارة التموين والتجارة الداخلية، على أن يتضمن التصريح الموافقة على الكميات والغرض من الشراء والموافقة على أماكن التخزين.

في مقابل ذلك، كشفت مصادر عن "مشاورات جارية بين وزارة البترول بحكومة الانقلاب ولجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية، ومسؤولين من جهات سيادية، بشأن التوصل لحل مناسب لأزمة تسعير البنزين خلال الاجتماع ربع السنوي للجنة، إذ من المقرر أن تعلن عن الأسعار الجديدة في إبريل المقبل".

وأوضحت المصادر أن "الاجتماعات هدفها الرئيسي تحديد زيادة في أسعار البنزين لا تتسبب في أزمات مجتمعية، لافتة إلى أن المشاورات تدور حول زيادة تتراوح بين 25 قرشا و50 قرشا، في حين تم رفض مقترحات بزيادة تتراوح بين 75 قرشا و100 قرش، خوفا من موجة زيادة ضخمة في أسعار السلع والخدمات التي ترتبط بشكل مباشر بأسعار البنزين".

ومع استقرار منظومة إدارة الاقتصاد المصري بالعقلية الأمنية والعسكرية، يزداد نزيف فرص الارتقاء بحياة المصريين، عبر دعم الصناعات المحلية والإنتاج المحلي والتوسع في الاستثمارات المباشرة، وتنويع مصادر الدخل القومي المصري، إلا أن الحاصل هو العكس ، حيث يتوسع النظام في مراضاة العساكر عبر ترسية كبريات المشاريع الاقتصادية بالأمر المباشر للمخابرات تارة وللشركات التابعة للإدارة الهندسية للقوات المسلحة تارة أخرى، أو لشركات الداخلية، وهو ما تسبب في خروج كثير من الشركات العالمية من مصر وتحويل الشركات الوطنية المدنية لمجرد مقاولين من الباطن، ومع ذلك تتعاظم البطالة ويتراجع مستوى المعيشة، حيث يحل المجندين بنظام السخرة مكان الأيدي العاملة في تنفيذ المشاريع، كما تحرم  الدولة من الرسوم والضرائب التي كان من المقرر دفعها للدولة من قبل الشركات المدنية، وهو ما تسبب في  الأزمة الحقيقية في جميع الأصعدة الاقتصادية. 

 

الديون الكارثية

ومن ضمن نتائج حكم العساكر، تزايد الديون المثقلة بها ميزانية مصر، والتي جعلت أي زيادة في أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي أو العملات الأجنبية، يمثل كارثة على الاقتصاد المصري، كما وقع أثر التعويم الجزافي الذي أطلقه البنك المركزي المصري ، إثر القرار الفيدرالي الأمريكي بزيادة الفائدة على الدولار بمقدار ربع نقطة.

 ومع انهيار الجنيه، وارتفاع الدولار تمنى مصر بكارثة غير مسبوقة متمثلة في فوائد الديون وسدادها في ظل جدول مزدحم بالديون ومواعيد السداد التي ستنعكس سلبا على المواطنين المصريين الفقراء. 

وتواجه مصر جدول ديون صعب السداد، مع بلوغ الدين الخارجي مستوى 137.85 مليار دولار بنهاية يونيو 2021، مقابل 123.490 مليارا بنهاية يونيو 2020، بمعدل زيادة 11.6% على أساس سنوي.

ويتوزع الدين الخارجي بواقع 124.1 مليار دولار في الأجل الطويل، و13.7 مليار دولار للدين الخارجي قصير الأجل، بحسب بيانات حكومية رسمية.

ومن المقرر سداد ديون إجمالية خلال 2022، بنحو 17.9 مليارات دولار، تتوزع بواقع 11.968 مليار دولار خلال النصف الأول، و5.956  مليار دولار في النصف الثاني من العام الجاري، وفق تقرير رسمي صادر عن البنك المركزي المصري.

ووفق التقرير فإن الجانب الأكبر من استحقاقات الدين الخارجي خلال العام الجاري، تأتي من نصيب المؤسسات الدولية متعددة الأطراف بإجمالي 5.46 مليار دولار، ثم أرصدة تجمع دول نادي باريس بقيمة 4.556 مليار دولار.

ويشمل جدول السداد 4.23 مليار من أقساط ودائع 3 دول خليجية هي السعودية، الإمارات، الكويت، إضافة إلى أصول وفوائد طروحات السندات الدولية بنحو 3.4 مليارات دولار.

ويصل إجمالي الودائع التي تعود لتلك الدول إلى 17.2 مليار دولار، بينها 7.5 مليار للسعودية و5.7 مليارات دولار للإمارات و4 مليارات دولار للكويت.

ويقضي جدول الاستحقاق لسداد الديون الخارجية قصيرة الأجل، بسداد 5.179 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، منها 162.93 مليون دولار خلال يناير و3.377 مليار دولار في فبراير ، و 360.3 ملايين دولار خلال مارس الجاري.

والعام الماضي، كانت مصر وفق نشرة السندات الدولية ملزمة بسداد 21.4 مليار دولار خلال 2021، بينها 10.2 مليار دولار في النصف الأول، و11.2 مليارا في النصف الثاني.

 

فوائد الديون

وتقدر الفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في مشروع الموازنة المصرية عن السنة المالية 2021-2022، بنحو 579.6 مليارات جنيه، ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة في العام المالي الجاري نحو 1.172 تريليون جنيه.

ويبلغ متوسط نصيب المواطن المصري من أعباء الدين العام الحكومي، دون حساب أعباء الدين الخارجي، 10 آلاف و228 جنيها في نهاية يونيو 2020، وفق رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب فخري الفقي.

ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط "روبرت سبرنجبورج" والذي يعمل أستاذا في كلية البحرية الأمريكية في كاليفورنيا، إنه لو أضفنا الدين الداخلي للدين الخارجي، لوصل إجمالي ديون مصر إلى 370 مليار دولار أمريكي، وهو أربع أضعاف إجمالي الديون في 2010".

ويحذر "سبرنجبورج" من أن الدين المصري سوف يستمر في الارتفاع إلى أن يصل في العام 2026 إلى 557 مليون دولار، مشبها ما يفعله نظام السيسي، بسيناريو الخديوي "إسماعيل" الذي أغرق مصر في الديون، خلال الفترة بين 1863 حتى 1876.

وتفيد تقارير صادرة عن مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني، بأن فاتورة فوائد الديون المستحقة على مصر تهدد الإصلاح الاقتصادي في البلاد، وتضيف مزيدا من عدم المرونة في الموازنة العامة، التي يخصص معظمها لسداد الديون وأقساطها، وفوائد الدين.

ويحمل خبراء "السيسي" المسؤولية عن تفاقم مديونية البلاد، خلال سنوات حكمه منذ منتصف العام 2014، بسبب الإنفاق الباذخ على  إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، وبناء قصور رئاسية، وإبرام صفقات سلاح، وتنظيم بطولات رياضية عالمية، في بلد يعاني من الفقر والبطالة والغلاء.

وتحت ذريعة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط والقمح، وتراجع النشاط السياحي مجددا، يبدو أن النظام المصري سيواصل السير في طريق الاستدانة بشراهة، وهو ما يثقل كاهل المصريين بفاتورة دين ضخمة، تؤثر حتما على حصص موازنات الصحة والتعليم والبنى التحتية في البلاد.


المصدر:بوابة الحرية و العدالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بحث

مواقيت الصلاة

صفحتنا على الفيس بوك


المتابعون

الأرشيف

أنت الزائر رقم