أعلن تجمع الأطباء السودانيين مقتل أربعة متظاهرين وإصابة العشرات بجروح متفاوتة على يد قوات الأمن السودانية التي اعتقلت العشرات من المحتجين أمس الخميس 30 ديسمبر (كانون الأول) 2021؛ إذ خرج عشرات الآلاف من أنصار الثورة السودانية المناهضين للحكم العسكري والمطالبين بإتمام التحول الديمقراطي، وإقرار الدولة المدنية، ووفقًا للجنة الأطباء المركزية فإنّ إجمالي القتلى في الاحتجاجات المناهضة للانقلاب منذ وقوعه في 25 أكتوبر (تشرين الأول) بلغ 48 شخصًا بحلول 30 ديسمبر.
وجاءت التظاهرات استجابة لدعوة لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين تحت عنوان «مليونية 30 ديسمبر» لإسقاط من سمّتهم بـ«الانقلابيين وغطائهم المدني»، في تحدٍ للإغلاق الأمني المفروض على عدة مناطق في العاصمة، وقطع الاتصالات عن البلاد.
احتجاجات في مناوئة للانقلاب العسكري في السودان
وكانت السلطات العسكرية برئاسة عبد الفتاح البرهان قد أغلقت الجسور الرابطة بين مدن العاصمة السودانية بالحاويات منذ 29 سبتمبر (أيلول) 2021 للحيلولة دون وصول أنصار الثورة السودانية إلى القصر الجمهوري للمرة الثالثة، حيثُ كانوا احتلوا محيطه في التظاهرات السابقة.
ولم تحُلْ الحاويات التي أغلقت القواب بها الجسور، دون وصول عشرات الآلاف من أنصار الثورة السودانية إلى قلب الخرطوم، فلجأت الحكومة إلى قطع خدمات الإنترنت، والهاتف، ومنع وسائل الإعلام من الوصول إلى تجمعات المتظاهرين تمهيدًا لقمعهم واعتقالهم.
مُبكرًا بدأ القتل.. هكذا يواجه البرهان الثورة السودانية
منذ الثامنة من صباح الخميس 30 ديسمبر شرع عشرات الآلاف من أنصار الثورة السودانية والحكم المدني في النزول إلى شوارع الخرطوم، وسط أجواء متوترة ومشحونة، فيما كانت وحدات من القوات المشتركة المكونة من الجيش، والشرطة، وقوات الدعم السريع، تفرض أطواقًا أمنية على مواقع تجمعات المتظاهرين التي حددتها لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين.
وبعد أقل من ساعة من بدء التظاهرات أصدرت لجنة الأطباء المركزية في بيان فإن «أرواح ثلاثة شهداء ارتقت في مواكب منطقة أم درمان برصاص قوات الانقلاب وميليشياته»، قبل أن تضيف قتيلًا آخر إلى القائمة بعد أقل من ساعة من بيانها الأول.
وفي محاولة من السلطات الأمنية في الخرطوم، منع وسائل الإعلام الخارجية من نقل الأحداث خشية تكريس رأي عام دولي ضد سلطات الانقلاب، قررت مهاجمة المقرات الإعلامية، واحتلالها، وترهيب مراسليها، وطواقمها بضربهم، واعتقالهم، ومصادرة معدات عملهم.
وفي السياق قالت فضائيتا العربية والحدث: إن الأمن السوداني اقتحم مكتب قناتي «العربية» و«الحدث» السعوديتين في الخرطوم، واعتدى على طاقمها، قبل أن يصادر معدات العمل، ويطلق الغاز المسيل للدموع داخل المكتب.
وبحسب موقع قناة الحدث فإنّ رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان بعث موفدًا إلى مكتب العربية والحدث بُعيد اقتحامه، وأن قائد المنطقة العسكرية المركزية للجيش السوداني إلى جانب وفد من وزارة الداخلية والمتحدث باسم الشرطة زاروا المكتب، فيما دوّنت الشرطة بلاغًا وفتحت تحقيقًا في الأمر.
وأدانت شبكة الصحافيين السودانيين في بيان نشرته على صفحتها بـ«فيسبوك» الاعتداءات الوحشية التي نفذتها أجهزة النظام ومليشياته ضد الإعلاميين والصحافيين خلال تغطيتهم مواكب 30 ديسمبر.
وذكرت الشبكة أن الأجهزة الأمنية اعتدت على مراسلتي قناة «الشرق» واحتجزتهما افي مكتب القناة لساعات، كما اقتحمت مكتب «سكاي نيوز»، ومكتب قناتي «العربية» و«الحدث» ونهبت ممتلكاته، بحسب تعبير البيان الذي أشار أيضًا إلى اعتداءات بالضرب على مصوري الوكالة الأوروبية وقناة روسيا اليوم.
من جهتها أدانت السفارة الأمريكية في الخرطوم؛ في بيان نشرته على صفحتها الرسمية بـ«فيسبوك»، مقتل أربعة متظاهرين على الأقل، وإصابة العشرات خلال مظاهرات الخميس، وشجبت ما سمتها «الهجمات العنيفة التي شنتها أجهزة الأمن السودانية على وسائل الإعلام والصحافيين»، وحثت السلطات على حماية حرية الصحافة.
ومن جانبه أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تغريدة على حسابه الرسمي بـ«تويتر» عن استياء بلاده من التقارير الواردة بشأن انتهاكات قوات الأمن الانقلابية في السودان في مواجهة المتظاهرين السلميين الرافضين لانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
مرض السلطة الهشة.. الهوس بإذلال الشعب
في حديثه لـ«ساسة بوست» وصف مهند مصطفى النور، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، التحالف بين المجلس العسكري ورئيس عبد الله حمدوك، بـ«الانقلابي» وبأنه يسعى إلى إعادة إنتاج النظام البائد.
وأضاف مصطفى النور أن الثورة السودانية ستسقط النظام غير الشرعي، وستؤسس لدولة مدنية ديمقراطية مهما كانت التكلفة باهظة، وأشار النور إلى أن الوضع القائم يفتقد إلى الشرعية، فالمجلس السيادي عينه البرهان، وضم إليه محسوبين على نظام البشير.
وأكد المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين أن الاتفاق السياسي مع عبد الله حمدوك يعد تكريسًا للانقلاب؛ إذ لا يمثل رئيس الوزراء إلا نفسه، وبالتالي فإن الشعب ماضٍ إلى إطاحة الانقلاب، ولن يتراجع، بعد أن دفع ثمنًا فادحًا في سبيل ذلك.
وشدد النور على أن البرهان وحمدوك أمعنا في إذلال الشعب بإعادة من أسقطهم إلى سدة الحكم مرة أخرى عقب انقلاب 25 أكتوبر، فانتماء رئيس القضاء المُعين، عبد العزيز فتح الرحمن، إلى النظام السابق معروف؛ الأمر الذي أفقد جهاز القضاء استقلاليته، وجعله مطية للنظام، ومعولًا للتنكيل بجماهير الشعب، وأنصار الثورة السودانية، وفقًا لتعبيره.
وحذر مهند ما سماه «الذراع المدنية للانقلاب بقيادة عبد الله حمدوك» من مغبة محاولة شق صفوف أنصار الثورة السودانية، وإشعال حالة الاستقطاب بين فصائلها، وتسويق الخطاب المخادع للشراكة مع جنرالات الجيش والمليشيات.
وأكد المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين أن الاتفاق الذي وقعه حمدوك مع المجلس العسكري، يثبت دون لبس موقع حمدوك شريكًا فاعلًا، وغطاءً مدنيًا، ومتورطًا بالكامل في العملية الانقلابية، وتكريس الردة عن ثورة ديسمبر، ومكتسباتها التي انتزعتها جماهير الشعب العظيمة عنوةً واقتدارًا.
ودعا النور الجماهير والقوى الثورية القطاعات المهنية والطالبية إلى الخروج والمشاركة الفعالة في المواكب التي يحددها التجمع ولجان المقاومة من أجل اسقاط حكومة الانقلاب التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهذا ما تبدى من خلال العنف غير المسبوق الذي مارسته بحق المشاركين في موكب 30 ديسمبر 2021.
وأضاف أن «مساعي تحالف المجلس العسكري وعبد الله حمدوك الانقلابي لاختطاف أجهزة الدولة مصيرها الفشل، كما أنها تزيد شعبنا وأنصار الثورة السودانية عزمًا على إسقاطهم، وتقديمهم ومن يتعاون معهم للمحاكمات الثورية العادلة والناجزة».
وتابع المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين: «شعبنا أقوى وهدفه انتزاع السلطة الوطنية المدنية الانتقالية الكاملة، وتحرير أجهزة الدولة السودانية من مشروع التمكين، وإعادة صياغتها وفق برنامج ثورة ديسمبر، وغاياتها في الحرية، والسلام، والعدالة».
القمع مستمر.. والمعركة الكبرى مؤجلة
من جهتها قالت الصحافية ومُحاضِرة الإعلام في جامعة مانشيستر ببريطانيا، آمنة عمر لـ«ساسة بوست»: إن القمع الذي شهدناه أمس فعل مكرر منذ انطلاق الثورة في ديسمبر 2019، وقبل ذلك في احتجاجات عام 2013، فماذا كانت النتيجة؟ غير مزيد من الجماهير التي تنضم إلى الحراك، وهي قادرة على إسقاط انقلاب 25 أكتوبر 2021.
وأضافت آمنة عمر إلى أن التجربة السابقة للحكومة الانتقالية هي التي شجعت المكون العسكري على الانقلاب، فقد اتسمت بالهرج السياسي، وبضعف الحكومة، وبحالة من الاستقطاب السياسي والصراع حول الحقائب الوزارية، والمناصب العليا، والسعي وراء الانتصارات الشخصية الصغيرة، وما لم تُوقف قوى إعلان الحرية والتغيير، والقوى النقابية والمدنية هذا العبث، فإن مشوار التغيير سيطول، حسب قولها.
ومن جهة أخرى وصفت آمنة عمر معسكر قيادة الجيش وقوات الدعم السريع وفلول النظام السابق والحركات المتمردة السابقة الموقعة على اتفاقية سلام جوبا في أكتوبر 2020، بأنها تشكل حلفًا مناوئًا للتغيير، يقوم على المصالح الاقتصادية المشتركة التي ورثها من النظام السابق، ويسعى للحفاظ عليها والانتفاع بعوائدها الضخمة خارج أُطر ومؤسسات الدولة.
وتابعت: «لذلك لن يسمح هذا المعسكر بانتقال سياسي يقود إلى نظام ديمقراطي، لا يهدد مصالحه فحسب، بل وجوده أيضًا، لذلك سيسعى إلى ارتكاب المزيد من العنف في سبيل منع الانتقال الديمقراطي».
ولفتت إلى أنه هذا ما يجب أن تنتبه له القوى السياسية المدنية وتتوحد من أجل المقاومة وإطاحة هذا التحالف، أو إجباره على القبول بتطلعات الشعب نحو المدنية والديمقراطية، التي ناضل السودانيون من أجلها منذ الاستقلال، ولن تحقق إلا عبر توافق وطني كبير من أنصار الثورة السودانية، والقوى السياسية، والاجتماعية، عدا حزب النظام البائد وأدواته وواجهاته.
وقالت آمنة آمنة عمر: «لا بد عن معالجة الإشكاليات البنيوية التي تؤدي إلى الانقلابات، مثل إعادة تأهيل وهيكلة الأحزاب السياسية لتتوافق مع طبيعة النظام الديمقراطي نفسه، فضلًا عن العمل بجد على هيكلة المؤسسة العسكرية، وتغيير عقيدتها، بحيث تصبح غير معنية بالحكم، وأنه ليس ضمن وظائفها، وإبعادها عن العمل التجاري والاستثماري، بما يعني مواصلة المواجهة معها.
وأكدت أن ذلك لن يتحقق إلاّ بالضغط المتواصل، كما يفعل السودانيون منذ ثلاث سنوات، إلى أن يخرج الجيش من الحياة السياسية تمامًا، ويتفرغ قادته لعمله ووظيفته، ثم العمل على تحقيق السلام، وتفكيك البنية الاقتصادية لدولة الفساد، وطرح مشروع وطني بتوافق عريض يقر دستورًا دائمًا يحدد هوية الدولة، ويضمن حقوق مواطنيها، ويمهد لبناء قوانينها ومؤسساتها، غير ذلك فإنه تأجيل للمعركة، وتمهيد لعودة الأنظمة الاستبدادية.
المصادر:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق