لا ينكر المتابعون أن هذه الزيادات المتلاحقة في أسعار المحروقات أو التخفيض في قيمة العملة، كان جزءا منه الشروط المذعنة التي فرضها صندوق النقد الدولي على القاهرة، ضمن برنامج الإصلاح المزعوم كأحد الاشتراطات لحصول المصريين على القروض التي أرهقت الميزانية المصرية، وحولت معظم مخصصاتها لخدمة الدين، فوائد وأقساط.
وسبق أن وصفت تقارير لدوريات أجنبية صندوق النقد الدولي منها “الإيكونوميست” و”فورين بوليسي” أن برنامج الصندوق وعلى مدى سنوات امتدح برنامج الإصلاح الحكومي الذي تبناه السيسي، مما ساهم في إنفاق فاسد وغير مسؤول من السيسي والعصابة مستندين لتقارير صندوق النقد المطمئنة بأنهم على مسار صحيح.
إلا أن تقارير أخرى امتدحت خطة الصندوق الجديدة مع القرض الرابع (3 مليارات دولار) والذي استلمت منه حكومة السيسي نحو 750 مليون دولار إلى الآن بدعوى تشديده على خروج شركات الجيش من الساحة الاقتصادية وإعطاء فرصة للقطاع الخاص بخروج صفوان ثابت وعودة ممدوح حمزة، وفتح طريق لحقوق الإنسان بإطلاق عينات معتقلين مثل المستشار هشام جنينة وآخرين محسوبين على 30 يونيو مثل الصحفي خالد داود.
إلا أن آراء هذه الدوريات تتغافل عن معاناة المصريين من الأوضاع المعيشية الصعبة، وسط ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات وقفزات كبيرة في معدلات التضخم والبطالة وتراجع حجم المدخرات، فضلا عن توجيه معظم موارد الدولة لخدمة الدين الذي وصل إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة في ظل غياب خطط التنمية الشاملة.
شروط إصلاحية
وتوقعت مؤسسة ” كلينجينديل” أن يفرض صندوق النقد شروط إصلاحات إجبارية على النظام، ومن ذلك تعهد السيسي وحكومته لصندوق النقد بتقليص دور الجيش في الاقتصاد، وكأنه علامة على عدم تخلي النظام عن فقراء مصر لصالح قرض صندوق النقد الدولي.
واعتبرت أن نزع استحواذ الجيش وفق شروط صندوق النقد والحديث عن بعض حقوق الإنسان تنازلات أو أنها القليل من البدائل أمام النظام الاستبدادي في مصر للحصول على شرائح جديدة من تمويل صندوق النقد الدولي.
وأشارت المؤسسة في تقريرها إلى أن جوهر البدائل هو “في مدى استعداد الصندوق لاعتماد المزيد من الشروط من خلال المطالبة بإجراءات أكثر صرامة لمكافحة الفساد، والحد من الدور المهيمن للجيش في الاقتصاد”.
وأوضحت أن “الحد من الفساد والنفوذ العسكري ضروريان لتجنب إهدار أموال دافعي الضرائب الدوليين وتقليل التبعية الخارجية طويلة الأجل للاقتصاد المصري، الذي يمر بمياه مضطربة ويواجه مشاكل خطيرة تلوح في الأفق”.
وهي في سياق الإشادة بشروط “النقد” ألمح التقرير إلى معلومة شديدة الأهمية مناقضة لأهمية البرنامج المزمع تطبيق شروطه، وهي “نمو دين مصر الخارجي من 39.62 مليار دولار أمريكي في عام 2014 إلى 160 مليار دولار أمريكي اليوم، ومن المتوقع أن يصل إلى 260 مليار دولار أمريكي في عام 2024. كما أن الأسواق ليست واثقة تماما من أن مصر ستسدد ديونها”.
أما المعلومة المهمة الثانية التي تدفقت في تقرير المؤسسة الأمريكية أن ” الأبحاث تشير إلى أن النفوذ المالي للمؤسسات المالية الدولية يمنحها قدرة متواضعة، للضغط من أجل الإصلاحات السياسية في الدول الاستبدادية إذا احتاجت الحكومة إلى أموال أجنبية للبقاء على قيد الحياة”.
وأشارت ضمنا لتأكيد ذلك أنه مع “أول قروض من صندوق النقد الدولي لحكومة السيسي، في عامي 2016 و 2020، لم تتضمن سوى مطالب اقتصادية نموذجية مثل تحرير سعر الصرف وخفض الإنفاق الحكومي، وساهم هذا الترتيب في نتائج مختلطة فيما يتعلق بالأداء الاقتصادي”.
وأوضحت أنه “لم تتم معالجة التحديات الأعمق التي تمثل جذور المتاعب الاقتصادية في مصر، حيث استمر الفساد والدور المهيمن للجيش في الاقتصاد في إعاقة الأداء الاقتصادي والحد من فعالية قروض صندوق النقد الدولي”.
وعادت إلى تجميل شروط صندوق النقد في قرضه الرباع للسيسي فقالت إن “تقريرا للصندوق، أكثر تفصيلا، عن صفقة أكتوبر 2022، أورد التزام مصر بإجراءات تهدف إلى تقليل البصمة الاقتصادية للجيش، مثل تقليل المزايا التجارية للشركات المملوكة للدولة أو التابعة للجيش”.
وأوضحت أنه عوضا عن قرض بقيمة 3 مليارات دولار، ثمة توقعات بحصول مصر على قرض إضافي من صندوق النقد الدولي بقيمة 6 مليارات دولار أمريكي عبر عدة جهات مانحة في عام 2023، بالإضافة إلى أقساط القرض ال3 مليارات.
إلا أن المؤسسة لم تبين كيف يوفر ذلك فرصة لدفع إصلاحات الحوكمة والفساد كخطوة إضافية لشروط القروض، في محاولة للوصول إلى جذور المشاكل الاقتصادية بمصر، بحسب ما ترجمت تقارير.
ترجيحات سيئة
وتوقعت المؤسسة أن تستمر قيمة الجنيه المصري في الانخفاض وأن ترتفع الأسعار، ما يخلق مشكلة في ميزان المدفوعات للاقتصاد المصري المعتمد على الاستيراد، مستندة إلى تصنيف وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الأخير وتعديل النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، على الرغم من صفقة صندوق النقد الدولي.
وأغفلت ارتباط حكومات أوروبا والولايات المتحدة بدعم السيسي بصفقات السلاح من الغواصات والطائرات والسفن، فضلا عن صفقات سلاح القمع من العصي الكهربائية وأدوات التعذيب والقنابل المسيلة للدموع ، ورأت المؤسسة أنه يمكن للحكومات الغربية، التي تمارس سلطة كبيرة في صنع القرار بصندوق النقد الدولي، أن تطالب بإصلاحات تتمثل في تشديد إجراءات مكافحة الفساد والمطالبة بمزيد من الشفافية لزيادة تأثير الإنفاق العام.
ومن جانب حقوق الإنسان أبدت المؤسسة تخوفا من عدم وجود تغييرات جوهرية أدت إلى إثارة التساؤلات حول النوايا الحقيقية للحكومة المصرية.
ومن ذلك أن السيسي في محاولة البحث عن البدائل “رفع حالة الطوارئ، وأطلق حوارا مع المعارضة، وأطلق سراح المئات من السجناء السياسيين، ورغم هذه المبادرات، استمر وجود آلاف السياسيين في السجن، وتعرض المنظمات غير الحكومية المصرية لمضايقات غير مسبوقة من قبل الدولة”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق