لمواجهة التضخم الجامح والغلاء الفاحش قرر رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي تنفيذ حزمة اجتماعية لاحتواء الغضب الشعبي المتصاعد بين المواطنين في أعقاب رفع أسعار البنزين بنحو 11% وارتفاع أسعار السلع الغذائية بنحو 100% على أساس سنوي خلال سنة 2022م التي شهدت انخفاض قيمة الجنيه بنحو (50%)؛ فأصبح كل جنيه في مارس 2022 يساوي حاليا نصف جنيه؛ وهو ما يعني تآكل قيمة الأجور والمرتبات بذات النسبة تقريبا. معنى ذلك أن الأجور والمرتبات انخفضت بقيمة (50%) خلال سنة 2022م، وهناك احتمال بمزيد من التراجع في قيمته مقابل الدولار وباقي العملات الأخرى؛ فهل يكفي رفع الأجور والمرتبات بنحو (15%) فقط حسبما قرر زعيم عصابة الانقلاب؟!
تضمنت الحزمة الجديدة رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الجهاز الإداري للدولة من 3000 إلى 3500 جنيه، وزيادة دخولهم إجمالاً بحد أدنى 1000 جنيه شهرياً، فضلاً عن تقديم موعد زيادة المعاشات من يوليو إلى إبريل المقبل، وزيادتها بنسبة 15% بدلاً من 13%. وقال السيسي، على هامش افتتاح بعض المشروعات في محافظة المنيا الخميس 02 مارس 23م، إن الحد الأدنى لرواتب العاملين في الدولة سيبلغ 3500 جنيه شهرياً للموظفين على الدرجة السادسة، أو ما يعادلها، و5000 جنيه للموظفين على الدرجة الثالثة النوعية، و6000 جنيه لحاملي درجة الماجستير، و7000 جنيه لحاملي درجة الدكتوراه. ووجّه السيسي أيضاً بزيادة المبالغ المالية المخصصة لبرنامج “تكافل وكرامة” بنسبة 25%، الذي يمنح الأسرة المصرية الفقيرة معاشاً شهرياً بقيمة 450 جنيهاً (14 دولاراً)، ورفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي من 24 ألف جنيه إلى 30 ألف جنيه، بداية من أول إبريل 2023.
والسبت 4 مارس، أعلن وزير المالية بحكومة الانقلاب محمد معيط عن الحزمة المالية التي سيبدأ العمل بها ابتداء من أبريل المقبل (23م)، والتي تصل إلى نحو 150 مليار جنيه(4.6 مليارات دولار) سنوياً. وتقرر تخصيص 14 مليار جنيه سنوياً لزيادة الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة وأصحاب الكادرات الخاصة وصرف 8 في المائة علاوة دورية للمخاطبين بالخدمة المدنية بحد أدنى 125 جنيهاً و15 في المائة علاوة خاصة لغير المخاطبين بحد أدنى 125 جنيهاً مع زيادة الحافز الإضافي للعاملين المدرجين بفئات مالية مقطوعة، بحيث لا تقل عن 300 جنيه للدرجات السادسة والخامسة والرابعة و400 جنيه للدرجات الثالثة والثانية والأولى و500 جنيه للمدير العام ووكيل الوزارة ووكيل أول الوزارة. وأوضح معيط، في بيان صحافي، أنه ستُزاد فئات بدل المهن الطبية بمبالغ تراوح من 400 إلى 475 جنيهاً، ويُضاعَف حافز الطوارئ لمن يعمل من الأطباء وهيئات التمريض بأقسام الطوارئ، مع صرف 300 جنيه زيادة في حافز الأداء للمعلمين بالتربية والتعليم والأزهر الشريف و300 جنيه زيادة في حافز الجودة شهرياً لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية. وأشار إلى تحمّل الخزانة العامة 8 مليارات جنيه لرفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي بنسبة 25 في المائة. وتقرر صرف 6.5 مليارات جنيه سنوياً لزيادة الفئات المالية الممنوحة للمستفيدين من «تكافل وكرامة» بنسبة 25 في المائة شهرياً، و55 مليار جنيه سنوياً لزيادة المعاشات بنسبة 15 في المائة بحد أدنى 170 جنيهاً، وحد أقصى 1635 جنيها.
هل تكفي؟!
الآلة الإعلامية للنظام كعادتها سوف تعتبر ذلك إنجازا ودليلا على نجاح النظام وحرصه على محدودي الدخل رغم أنهم يعلمون علم اليقين أن هذه الزيادات لا تكفي، ولا تساوي حجم التضخم الذي وصل فعليا إلى (100%) على أساس الأسعار في مارس (22م)، فمثلا كان سعر طبق البيض نحو 40 جنيها بينما يصل اليوم إلى 120 جنيها، وكيلو الدجاج كان بنحو 30 جنيها واليوم يصل إلى نحو 90 جنيها. وكيلو اللحم البلدي من 100 جنيه، إلى 250 جنيها. وخذ على هذه النمط كل أسعار السلع الغذائية من أرز ومكرونة وزيت وسكر وشاي وخلافه. فعندما يكون التضخم (100%) فهل تكفي زيادة الأجور والمعاشات (15%) فقط؟!
وفي يناير الماضي (2023م)، قفز معدل التضخم السنوي الأساسي، بحسب البنك المركزي إلى 31.2% وهو أقل بكثير من الرقم الذي سجله مؤشر “جونز هوبكنز”، حيث تقدر التضخم الحقيقي في مصر بنحو 101% لتصبح في المرتبة السادسة عالميا، من بين أسوأ 21 دولة على مستوى العالم من حيث ارتفاع تلك المعدلات الحقيقية للتضخم.
ومنذ مارس الماضي (2023) تعرض الجنيه المصري لهزات قوية وانخفض عدة مرات من مستوى 15.70 جنيه إلى 30.77 جنيه وسط توقعات قوية من قبل بنوك استثمار عالمية بالهبوط مجددا 10% إلى 35 جنيها لكل دولار؛ بسبب توالي الضغوط على العملة المحلية الناجم عن شح الدولار وتخارج الأموال الساخنة، وتراكم الالتزامات البلاد الخارجية.
وماذا عن 20 مليونا بالقطاع الخاص؟
الجانب الثالث في هذه الحزمة الجديدة من الحوافز، هو مصير ملايين المصريين من موظفين وعاملين في القطاع الخاص؛ فتركيبة النشاط الاقتصادي في مصر تؤكد أن حجم العاملين نحو 26 مليونا؛ بيتهم نحو 5 ملايين في القطاع الحكومي، والغالبية الساحقة يعملون في القطاع الخاص والمهن الحرة. أما المهنيون فسوف يرفعون قيمة خدماتهم؛ الطبيب والمحامي والمهندس والمدرس سوف يرفعون قيمة خدماتهم إلى الضعف لمواجهة التضخم والغلاء الفاحش، فماذا عن العمال والموظفين الصغار في شركات القطاع الخاص؟ فالحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص 2700 جنيه وهو رقم هزيل للغاية لا يكفي حتى للسكن وفاتورتي الكهرباء والمياه وخدمات النقل؛ فماذا عن الطعام والشراب والملابس والخدمات الصحية والتعليمية وخلافه؟! وكيف يمكن لرب أسرة أن يدير ميزانيته الشهرية بمبلغ ضئيل كهذا (2700 ج) فقط؟! فأسعار الإيجارات والسلع الغذائية والخدمات حاليا توجب أن يكون الحد الأدنى للأجور نحو (10 آلاف جنيه)؛ لمواجهة أعباء الحياة؛ فهل تقدر حكومة العسكر على ذلك؟ وهل تنجح في ضبط الفلتان في انهيار الجنيه؟ أم أن الفشل سيستمر و والانهيار سيتواصل وفلتان الأسعار سيسحق الفقراء والمساكين الذين لا ظهير لهم إلا الله العالم بأحوالهم ومدى بؤسهم وشقائهم وحياتهم التي تحولت إلى ضنك مؤبد تحت حكم الجنرالات الفسدة.
المصدر: بوابة الحرية و العدالة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق