تصعد الأسعار في زمن عصابة العسكر بسرعة الصاروخ، ولا تنطبق عليها قوانين العرض والطلب التي تحكم الأسواق في العالم.
ورغم انخفاض أسعار الأغذية في معظم دول العالم بعد ارتفاعها بتأثير الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك وفقا لتقارير منظمة الفاو إلا أن موجات الغلاء ما زالت تضرب الأسواق المصرية في ظل غياب تام من حكومة الانقلاب التي تركت السوق مرتعا لجشع التجار، وأصبح الحديث اليومي بين المصريين سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في وسائل النقل العام أو الأسواق والشوراع عن الغلاء الفاحش الذي يسيطر على كافة السلع بلا استثناء.
كانت مصر شهدت ارتفاع أسعار كافة السلع بشكل متواصل وطالت موجة الارتفاع كل شيء، مع غياب الرقابة على البائعين والتجار ومع اقتراب شهر رمضان المبارك، وجد المواطنون أنفسهم أمام الأمر الواقع، عند شراء احتياجاتهم الضرورية، حيث ارتفع طن المكرونة في السوق إلى 10 آلاف جنيه مقابل 7500 جنيه و8 آلاف جنيه، وارتفع سعر طن القمح حوالي ألف جنيه ليتراوح بين 6 آلاف إلى 6500 جنيه، كما قفزت أسعار الزيوت حوالي 4500 جنيه في الطن في، حين شهدت أسعار الدواجن والبيض ارتفاعا كبيرا، ولم تكن السلع الغذائية المتضرر الوحيد، فقد رفعت شركات الحديد سعر الطن تدريجيا حتى وصل إلى 30 ألف جنيه.
في نفس السياق ارتفعت أسعار الدواجن واللحوم بزعم ارتفاع أسعار الأعلاف وعدم الإفراج الجمركي عن الشحنات الموجودة في الموانئ، ووصل سعر كيلو الدواجن البيضاء إلى 90 جنيها رغم أن معدله الطبيعي في مثل هذا الوقت من العام الماضي كان 30 جنيها فقط.
ووصلت أسعار اللحوم إلى 280 جنيها للكيلو، مما جعل الأسر المصرية عاجزة تماما عن شرائها، وحتى الآن لم تلح فى الأفق أي بادرة أمل لانخفاضها، بل من المتوقع زيادة الأسعار مع اقتراب شهر رمضان المعظم.
انخفاض كببر
في المقابل تشهد أسعار السلع على المستوى العالمي انخفاضا كببرا، وأكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو» انخفاض أسعار السلع الغذائية خلال العشرة شهور الماضية، حيث شهد مؤشر المنظمة تراجعا قدره 28.6 نقطة بما يعادل 17.9%، مقارنة بالذروة التي بلغها في مارس عام 2022.
وأشارت المنظمة في تقرير لها إلى انخفاض أسعار الزيوت النباتية ومنتجات الألبان والسكر، بالإضافة إلى انخفاض أسعار القمح عالميا بنسبة تصل إلى 2.5% في بداية العام الجاري، ورغم هذا الانخفاض العالمي إلا أن أسعار الدقيق ومنتجاته من خبز ومكرونة لم تشهد أي انخفاض في مصر، بل إنها في تزايد مستمر.
وكشف التقرير عن انخفاض أسعار الزيوت النباتية عالميا بنسبة 24% في شهر يناير الماضي، بينما لم ينعكس هذا الانخفاض على أسعار الزيوت في مصر والتي بلغت أعلى معدلاتها.
الدولار والجنيه
من جانبه كشف الدكتور يوسف إبراهيم، أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي لـلإدارة، أن هناك عدة أسباب أدت إلى موجة الغلاء التي تشهدها البلاد، وعلى رأسها ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، وهو ما أثر على أسعار كافة السلع بدءا من الأغذية واللحوم وحتى السيارات، بجانب أزمة سلاسل الإمداد الموجودة عالميا، مشيرا إلى أن الآثار الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على الاقتصاد العالمي بأكمله من حيث تباطؤ النمو وزيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة، مما يدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع.
وحول قطاع الأدوية وأسباب ارتفاع أسعاره رغم الإفراجات الأخيرة للمواد الخام من الموانئ قال «إبراهيم» في تصريحات صحفية إن "هناك 95% من المواد الخام لصناعة الأدوية يتم استيرادها من الخارج أي حوالي 17 ألف عقار، ومع ارتفاع سعر الصرف أدى ذلك لعدم قدرة المصانع على الإنتاج، بالإضافة لارتفاع تكلفة النقل الذي يعد سببا رئيسيا في ارتفاع أسعار البضائع، وهو ما انعكس على سعر المنتج النهائي، بجانب قرار رفع الحد الأدنى للأجور لـ3000 جنيه وإلزام المصانع والشركات برفع الأجور".
وأوضح أن الحل في قطاع الأدوية هو دعم الابتكارات العلمية وحقوق الملكية الفكرية والبحث عن بديل مصري للأدوية المستوردة من خلال الإعفاءات الضريبية أو عن طريق هيئة مسئولة عن تنمية البحث العلمي في قطاع الدواء.
وعن أزمة الأعلاف وارتفاع أسعار الذرة وفول الصويا طالب «إبراهيم» بإيجاد حل جذري لهذه المشكلة، من خلال الاكتفاء الذاتي من الذرة الصفراء وفول الصويا للحد من ارتفاع الأسعار، مؤكدا أن حملات المقاطعة لن تجدي نفعا في تخفيض الأسعار، لأن الأزمة الموجودة حاليا أسبابها معروفة وهي انخفاض المعروض وارتفاع تكلفة الإنتاج.
واستبعد ضبط الأســواق والسيطرة على الأسعار بدون سياسات اقتصادية في مقدمتها زيادة الإنتاج للتصدي لظاهرة انخفاض الكميات، بالإضافة إلى تشجيع المستثمرين وتـقـديم حـوافـز مناسبة لهم للاستمرار في العمل.
الجلاد والضحية
واتهم الخبير المالي والاقتصادي وائل النحاس حكومة الانقلاب بأنها هي من صنعت أزمة ارتفاع الأسعار، واستغلها التجار ودفع المواطن الثمن، مؤكدا أن حكومة الانقلاب قامت بدور الجلاد وخفضت الجنيه مقابل الدولار، ومن الطبيعي أن يقوم التاجر بتحميل هذا الارتفاع على السلع، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، فمثلا طن الذرة المستخدمة في العلف كان سعره 13 ألف جنيه، وصل الآن إلى 16 ألف جنيه، وطن الذرة يصل إلى الموانئ المصرية بجميع تكاليفه بسعر 10 آلاف جنيه، ومن الطبيعي أن يكون السعر بعد المكسب 11 ألف جنيه، فلماذا يبيعه المستورد لمزارع الدواجن بسعر 16 ألفا؟ أما طن الصويا العلف فكان قبل أيام بسعر 24 ألف جنيه وأصبح سعره الآن 30 ألفا لمزارع الدواجن.
وطالب النحاس في تصريحات صحفية حكومة الانقلاب بالعمل على استقرار الأسواق ومراعاة الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين قبل أن تقوم بأي تعديلات اقتصادية أو إصدار تشريعات، مشددا على ضرورة تثبيت أسعار الصرف للمنتجين خلال سنة بدلا من ترك الأمر هكذا، وفرض رقابة على التجار والمنتجين الذين يقومون برفع الأسعار لتعويض الخسارة خلال شهرين أو ثلاثة.
وأوضح أن من ضمن الآليات المطلوبة، رفع الكفاءة الإنتاجية وزيادة الإنتاج وتشغيل الطاقات العاطلة في قطاع الأعمال العام، من أجل زيادة الإنتاجية وتقليل التكلفة، مطالبا بأن يكون خفض التكاليف هدفا رئيسيا سواء في الشركات والمصانع الحكومية أو في القطاع الخاص لأن ذلك يساعد على خلق أسعار عادلة.
أين الرقابة؟
وطالب محمود العسقلاني، رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» بتعديل قانون الاستثمار وتحديد هامش ربح عادل للتجار، مشيرا إلى أن القانون الحالي يحظر على حكومة الانقلاب تحديد هامش ربح.
وقال «العسقلاني» في تصريحات صحفية "لا بد من فرض رقابة من الأجهزة المعنية لضبط حركة الأسواق والسيطرة على ارتفاع الأسعار، والعمل على توفير السلع الأساسية للمواطنين من خلال ملاحقة المحتكرين بالأسواق عن طريق مباحث التموين وجهاز حماية المستهلك، لافتا إلى صعوبة اثبات الجريمة الاحتكارية، حيث إن قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار لم يجرم الاحتكار ولكنه يجرم الممارسات الاحتكارية".
وكشف أن أحد تجار الأعلاف حقق مكسب مليار و400 مليون جنيه خلال الفترة الماضية من خلال إيصالات المواد الخام التي دخلت من الجمارك، مؤكدا أن هناك ممارسات احتكارية واضحة في سوق اللحوم، يجب التصدي لها .
وأشار «العسقلاني» إلى أن بعض الجزارين اتجهوا للمقاطعة بسبب غلاء الأسعار، موضحا أن كيلو لحم النعام بـ250 جنيها رغم أنها وجبات الأغنياء، في حين أن أسعار اللحوم البلدية تفوقت عليها، ولفت إلى أن المزارع الكبيرة والمستوردين يمتنعون عن ذبح اللحوم الآن انتظارا لشهر رمضان المبارك باعتباره شهر الاستهلاك وتحقيق أرباح كبيرة والبيع بسعر مرتفع أكثر.
وأكد أن مُصنعي الأعلاف بالغوا في أسعارها وحققوا مكاسب كبيرة، ما تسبب في زيادة أسعار اللحوم، وكل يوم كيلو اللحم يزيد من 5 إلى 10 جنيهات.
المصدر: بوابة الحرية و العدالة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق