قانون “المجلس الصحي المصري”..أعباء مالية على الأطباء وعسكرة الصحة

. . ليست هناك تعليقات:


 

على طريقة العسكري الذي لا يريد سوى السيطرة والتحكم في كل شيء عبر إجراءات وتشريعات قمعية تعزز سيطرة العسكر على مفاصل الحياة، وعلى الرغم من اعتراف السيسي نفسه في أحد مؤتمراته بأن الأطباء يهاجرون من مصر بسبب ضعف مرتباتهم، بجانب التقارير الرقابية التي تؤكد هجرة أكثر من 50%  من الأطباء خارج مصر، إثر تردي الخدمات الصحية وضعف الإمكانات بالمستشفيات وضعف التدريب وضعف الرواتب ، ورغم ذلك كله جاء إقرار السيسي لقانون ما يعرف بالمجلس الصحي المصري، الذي يهمش دور وزارة الصحة والتعليم العالي، بل يهيل التراب على  سبع سنوات من التعليم بكليات الطب، ليحصرها في قرار هيئة إدارية غير مختصة تتبع العسكر ، سواء وزارات الدفاع والداخلية لمنح الطبيب الموافقة على مزاولة المهنة والتحكم في  مستقبله العلمي.

ففي 20 مارس الجاري، نشرت الجريدة الرسمية قرار السيسي الذي حمل رقم 12 لعام 2022 لإنشاء المجلس الصحي المصري وتنظيمه، وجرت المصادقة عليه رسميا ليدخل مرحلة بدء تنفيذه خلال ستة أشهر، تشكل العمر المحدد لإصدار لائحة قراراته التنفيذية تمهيدا لتطبيقها.

ويتولى المجلس الصحي المصري، باعتباره هيئة خدماتية مستقلة، تدريب كل أعضاء الفرق الطبية، في مرحلة ما بعد انتهاء الدراسات الجامعية ويتبع للسيسي مباشرة، فيما تشارك جهات عدة في التدريبات، وبينها وزارة الصحة والسكان، الجامعات والقوات المسلحة والداخلية والمخابرات ، ويتولى إخضاع المتدربين إلى اختبار واحد للحصول على شهادة موحدة.

 

مساوى بالجملة

وبحسب خبراء  وأطباء، فإن المجلس الجديد يُحمّل الأطباء نفقات دراسية أكبر، فإلى جانب خصخصة الدراسات العليا لكليات الطب، ألغى القانون ما يعرف بـ"الزمالة" أي الشهادة التي تعادل الدرجات العلمية خارج مصر، وأسس لما يعرف بـ"البورد المصري" وجعل الحد الأقصى للرسوم يساوي 80 ألف جنيه ،  وكان أطباء وزارة الصحة الملتحقون ببرنامج الزمالة لا يتحملون أي رسوم دراسية، ويكتفون بدفع رسوم رمزية تبلغ حوالي 600 جنيه فقط، لأن الزمالة تتبع وزارة الصحة، ودراساتها التخصصية تشكل جزءا أساسيا من عملهم.

كما ألغى قانون إنشاء المجلس الصحي المصري اللجنة العليا للتخصصات الطبية، وهيئة التدريب الإلزامي للأطباء، وفرض رسوما إضافية جديدة يحصل المجلس نفسه نسبة 90 %  منها، في مقابل 10 % تحول إلى الخزانة العامة للدولة لإنفاقها على خدمات يقدمها، مثل اعتماد الشهادات المهنية الصادرة عن الجهات المانحة لكل المتدربين، وتحديد أماكن التدريب الصحي وترخيصها، واختيار المشرفين، وتنفيذ برامج مستمرة للتدريب الصحي والمهني، وإجراء الامتحان القومي لمنح تراخيص مزاولة المهنة، واعتماد شهادة اجتيازه، وكذلك امتحان البورد المصري، واعتماد شهادة اجتيازه، علماً أنّ رسوم هذه الخدمات كانت رمزية سابقاً، وبينها مبلغ 100 جنيه  رسم امتحان مزاولة المهنة.

وقد ترك القانون الجديد للمجلس الصحي الأطباء في حيرة عن الجهة التي تتحمل رسوم الدراسات، فقرار وزارة الصحة رقم 387 الصادر عام 2018 كان يقر بأن تتحمل جهة العمل الأصلية لأعضاء المهن الطبية رسوم الدراسات العليا من مواردها الذاتية، مع تحديد رسم 600 جنيه الرمزي للطبيب. وفي حال عدم توفر المال يصرف المبلغ من وزارة الصحة والسكان.

ومن هنا يُتوقع إلغاء شهادة الزمالة واستبدالها بـ"البورد" الجديد، فور إصدار قرارات اللائحة التنفيذية التي يفترض أن تحدد قيمة مصاريف الشهادة الجديدة ومن يتحمل تسديدها، واحتمال الإبقاء على القانون رقم 137 الصادر عام 2014 الذي يحمل جهة العمل تكاليف الدراسات العليا، أو إلغائه كي تصبح على عاتق الطبيب نفسه. واللافت أن هذه الأعباء العلمية تأتي في وقت تتدهور الأوضاع المادية للأطباء في ظل عملهم وسط نظام صحي متهالك، ويقدر راتب الطبيب المصري في بداية تعيينه بنحو 2500 جنيه، ويرتفع إلى 4 آلاف جنيه  ثم 5 آلاف جنيه  بعد حصوله على شهادات تخصصية أعلى.

ولعل الكارثي في قانون السيسي الجديد، هو إلغاء الزمالة المصرية ، التي تعتبر الشهادة التخصصية الإكلينيكية المصرية الأكثر عراقة منذ عام 1998، وتأسيس شهادة إكلينيكية جديدة بدلا منها لا تتمتع بأي رصيد على صعيد السمعة والاعتراف الدولي.

وهل الأجدى إصلاح نظام الزمالة، وتوفير الإمكانات المناسبة لتدارك العيوب التي لحقت به، أو إلغاؤه واستبداله بنظام جديد بأسماء ورسوم أخرى، وترك الأزمة الحقيقية المتمثلة في العدد المرتفع جدا للطلاب والمتدربين التي تفوق طاقات الاستيعاب؟

ويقدر عدد خريجي كليات الطب في مصر بحوالي 9 آلاف سنويا، وعدد الأطباء في المستشفيات الحكومية بحوالي 82 ألف طبيب من كل التخصصات، من أصل 213 ألف طبيب مسجلين، أما القوى الأساسية التي تملك تراخيص مزاولة المهنة فنسبتها 38% ، وفق دراسة أعدتها أمانات المستشفيات الجامعية، والمكتب الفني لوزارة الصحة المصرية ومجموعة من الخبراء والمتخصصين حول أوضاع مهنة الطب البشري، واحتياجات سوق العمل من الأطباء.

ويعمل 75.700 طبيب و143.200 ألف ممرض في 691 مستشفى حكوميا في مصر، و25.130 طبيبا و22.800 ممرض في 1157 مستشفى خاص، لكن ذلك لا يمنع معاناة مصر من نقص شديد في عدد الأطباء بسبب هجرة عدد كبير منهم طوال سنوات.

وهو ما أكده أطباء على مواقعهم الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث كانت طائرات كاملة تقل أطباء مهاجرين إلى بريطانيا، فيما تفتح أمريكا أبوابها لاستقبال الأطباء من كل أنحاء العالم، برواتب فلكية، حيث يبلغ سعر الساعة الواحدة عمل بمستشفيات بريطانيا نحو 20 إسترليني، بينما في مصر لا تتعدى  10 جنيهات مصرية.

وفوق كل ذلك لا يجري حماية الأطباء أثناء عملهم، حيث يُعتدى عليهم من أهالي المرضى، دون احترام أو حماية أمنية لهم.

ويزيد القانون الجديد السيطرة العسكرية والأمنية على قطاع الطب والصحة، بعد أن سيطر السيسي والمؤسسة العسكرية على قطاع الأدوية عبر الهيئة الموحدة للشراء التي يشرف عليها اللواء إيهاب، وتتحكم في شراء الأدوية والأجهزة الطبية من الخارج كجهة وحيدة.

يشار إلى أن إعلام السيسي أثار الكثير من التوجسات حول الأطباء، عبر إشاعة أن مجمل طلاب الطب والهندسة في مصر ينتمون للتيار الإسلامي لتفوقهم، وهو ما يعمل على التحكم فيه والسيطرة الأمنية عليهم، وفق تلك التقارير التي تقف وراءها المخابرات والأجهزة الأمنية، من أجل تمكين العصا الأمنية من كل قطاعات المجتمع، سواء الموظفين والمعلمين والدبلوماسيين والقضاة وغيرهم.

المصدر : بوابة الحرية والعدالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بحث

مواقيت الصلاة

صفحتنا على الفيس بوك


المتابعون

الأرشيف

أنت الزائر رقم