مع اقتراب يوليو المقبل، تزداد أزمات مصر المائية، وسط إصرار أثيوبيا على الملء الرابع لسد النهضة، مصرة على مبادئ المحاصصة في مياه النيل الأزرق، بما يقلص حصة مصر المائية من 55 مليار متر مكعب، إلى أقل من 30 مليار متر مكعب.
وهو ما يهدد مصر بجفاف كبير وتصحر أراضيها وهجرة أكثر من 40 مليون مصري من الريف وهجر وظيفة الزراعة وتصاعد مستويات المجاعة والفقر.
وخلال الساعات الماضية، أشعلت تصريحات وزير الري الانقلابي هاني سويلم، غضب المصريين ومخاوفهم، حيث حذر من نقص في المياه الآتية من منابع النيل خلال فصل الشتاء، وهو ما يثير القلق مع مواصلة أديس أبابا استعداداتها الخاصة للملء الرابع لخزان السد، في يوليو المقبل.
وقال وزير الري خلال ورشة العمل الافتتاحية لمشروع الخطة الوطنية للتكيف التي تنظمها وزارة البيئة، الإثنين الماضي “صرفنا كميات من مياه السد العالي خلال فصل الشتاء، أكبر من التصريف الطبيعي في هذا التوقيت، ولجأنا إلى ذلك بسبب قلة مياه الأمطار على منابع النيل، وكان لا يمكن أن نترك المحاصيل في مصر عرضة للخطر”.
وجاءت تصريحات سويلم الأخيرة، متناقضة مع تصريحات أدلى بها خلال جلسة استماع بمجلس النواب في 17 يناير الماضي، بعد تأكيده أن القاهرة لم تتأثر بالملء الثالث لسد النهضة في أغسطس الماضي، وإن هناك أمرا حدث من عند ربنا ليس لأحد يد فيه، فيما يخص الفيضان العام السابق الذي كان أكبر فيضان خلال 115 سنة” وأوضح أن الفيضان أبعد تأثر مصر من الملء الثالث لسد النهضة، والذي شهد أكبر كمية مياه.
من جهته، اعتبر وزير الري والموارد المائية السابق محمد نصر الدين علام، أن ما حدث أمر طبيعي، وقال، في حديث مع إعلامي سابق “لمثل هذه الأوقات تم بناء السد العالي لتخزين المياه في أوقات الفيضان واستخدامها، وهذا ليست له علاقة، بصفة عامة، بالتغيرات المناخية أو بالسد الإثيوبي”.
وأضاف علام أنه “ليست هناك أزمة مائية حاليا لامتلاء السد العالي، وارتفاع حجم الفيضانات في الأعوام الماضية، مع اتباع الحكومة المصرية إجراءات مشددة في ترشيد الاستخدامات للتغلب على نقص المياه الناتج عن ملء سد النهضة”. وأوضح قائلا إن “التأثير السلبي الكبير لملء سد النهضة سيتضح مع سنوات بدء انخفاض الفيضان، والتي قد تبدأ هذا العام للأسف”.
وتابع علام قائلا “في الشتاء والربيع يكون تصريف نهر النيل ومعظمه من النيل الأبيض (الهضبة الاستوائية في العمق الأفريقي) محدودا ويتم تعويضه من مخزون السد العالي في أثناء فترة الفيضان الصيفية، وهذا هو المعتاد، أما عن الملء الرابع كما وكيفا، فيعتمد على مدى تعلية السد”.
يشار إلى أن الملء الرابع يتوقف على مدى ارتفاع سد النهضة وقت التخزين، وقد توقف التخزين الثالث العام الماضي عند منسوب 600 متر، ومن المتوقع أن يصل منسوب السد هذا العام إلى أكثر من 620 متراً، بتخزين 13 مليار متر مكعب بإجمالي 30 مليارا.
كما أن زيادة ارتفاع الممر الأوسط يعتمد على زيادة الجانبين، فلا يكون الفرق بينهما على الأقل 10 أمتار للسماح بالفيضان بالمرور بعد انتهاء التخزين الرابع، من دون التأثير على مباني التوربينات”.
وعلى مستوى المفاوضات بين أطراف قضية سد النهضة الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) فقد طلبت القاهرة من وسطاء الضغط على أديس أبابا خلال الفترة الراهنة، لتسريع إنجاز اتفاق بشأن تبادل المعلومات، والتنسيق الخاص بعملية الملء يكون ذا طابع رسمي، مستغلة في ذلك اقتراب الملء الرابع للسد.
وتسعى القاهرة لتحريك ملف التنسيق الخاص بتبادل المعلومات بشأن إدارة عملية ملء السد، وذلك على الرغم من عدم اشتراط المسؤولين في مصر التوصل إلى اتفاق قانوني شامل ملزم، وعدم اتباع سياسة التجزئة في التعامل مع الأزمة.
تراجع القاهرة في موقفها بشأن مسألة تبادل المعلومات فقط، في ظل تعنت الحكومة الإثيوبية ورفضها التوقيع على اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية الملء والتشغيل، عائد إلى مخاوف لدى القاهرة من استغلال أطراف سياسية في السودان تلك الفرصة، للتحرك بشكل منفصل نحو إثيوبيا، في ظل انحسار المخاوف السودانية بشأن السد في الفترة الراهنة، في الأمور المتعلقة بالسلامة الإنشائية، وتجنب تأثيراته السلبية على المنشآت المائية السودانية، وفي مقدمتها سد الروصيرص المرتبط بشكل وثيق بسد النهضة”.
وتأتي هذه التطورات، في ظل فشل جولة جديدة من المفاوضات الفنية غير الرسمية أُجريت في الإمارات الشهر الماضي، في تحقيق تقدم أو اختراق للأزمة.
مفاوضات الإمارات
وكانت الإمارات استضافت
جولة المفاوضات باعتبارها الوسيط الأكثر نشاطا في هذا الملف في الفترة الراهنة، رفعت عدد الجولات الفنية إلى أربع جولات، لكن من دون جدوى تذكر.
حيث تمسكت أديس أبابا بألا تأخذ تلك الجولات الطابع الرسمي، نظرا لتمسكها بعدم خوض جولات تفاوض رسمية من دون اعتراف مصر والسودان، بشرط تقاسم حصص المياه قبل الشروع في أية مفاوضات سياسية بشأن السد.
ومن ثم باتت الأزمة محصورة في الوقت الحالي في تمسّك إثيوبيا بالحصول على حصة من مياه النيل وإعادة تقسيم الحصص بينها وبين مصر والسودان، وهو الأمر الذي تتفق الخرطوم والقاهرة على رفضه.
فيما تحولت مواقف بعض الأطراف الدولية والعربية، التي بدأت تقتنع برؤية إثيوبيا بشأن الحصول على حصة يتم الاتفاق عليها بين الدول الثلاث، وهو الأمر الذي أثار حفيظة مصر والسودان تجاه أدوار بعض الوسطاء العرب.
وفي الآونة الأخيرة، جدد وزير الخارجية سامح شكري رفض بلاده لما سماه مماطلة إثيوبيا في التوصل إلى إطار قانوني ملزم لملء وتشغيل سد النهضة، منوهاً خلال حديث له أمام المجلس المصري للعلاقات الخارجية، بتمسك مصر بضبط النفس ومراعاة حقوق الشعب الإثيوبي في التنمية.
بنك أثيوبيا لتصدير المياه
ويأتي موقف أثيوبيا الرافض للتوصل لاتفاق قانوني ملزم حول سد النهضة، نظرا لما تجهز له لمسألة غاية في الخطورة، وهي التجهيز لبيع المياه وتسليعها.
وتعد أثيوبيا لإنشاء بنك للمياه، وطرحت الفكرة بالإمارات قبل 6 شهور ورفضت الإمارات تصدير المياه لمصر، وتقوم الفكرة وفق خبير السدود الدولي د. محمد حافظ، بعدم سماح أثيوبيا إلا بمرور سوى 6 مليار متر للسودان ونحو 19مليار مكعب لمصر.
وذلك بعد الملء الخامس في صيف 2024، وبعد ذلك ستبيع لمن يطلب المزيد من المياه، فيما يمثل كارثة كبيرة لمصر التي تستهلك أكثر من 55 مليار متر مكعب، منصوص عليها تاريخيا، إلا أن السيسي أهدر هذا الحق، بتوقيعه على اتفاق المبادئ في مارس 2015.
المصدر : بوابة الحرية والعدالة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق